اسم الکتاب : البحر المديد في تفسير القرآن المجيد المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 264
الإشارة: إذا ماتت النفس عن الهوى، وتركت حظوظاً وشهوات، فلا ينبغي أن يردها إلى ذلك حتى تتربص مدة، ليظهر عليها آثارُ الزهد من السكون إلى الله، والتأنس بمشاهدة الله حتى تغيب عما سواه. فإذا بلغت هذا الوصف فلا جناح على المريد أن يسعفها فيما تفعل بالمعروف، من غير سَرَفٍ ولا ميل إلى هوى، لأن فعلها حينئذٍ بالله، ومن الله، وإلى الله، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ لا يخفى عليه شيء من أمرها، ولا جناح عليكم، أيها المريدون، إن تزكت نفوسكم، وطهرت من الأغيار قلوبكم، فيما عرضتم به من خطبة أبكار الحقائق وثيبات العلوم، أو أكننتم في أنفسكم من المعارف والمفهوم، علم الله أنكم ستذكرون ذلك باللسان قبل أن يصل الذوق إلى الجَنَان، فلا تصرحوا بعلوم الحقائق مع كل الخلائق فإن ذلك من فعل الزنادق، إلا أن تقولوا قولاً معروفاً، إشارة أو تلويحاً، فعلمنا كله إشارة، فإذا صار عبارة خفي.
ولا تطلبوا علم الحقائق قبل بلوغ أجله، وهو موت النفوس، والزهد في الفلوس، وكمال التربية، وتمام التصفية، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ من الشرة إليها قبل أوانها، فَاحْذَرُوهُ أن يعاقبكم بحرمانها، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ لا يعاجلكم بحرمان قصدكم، إن صح مقصدكم، والله تعالى أعلم، وبالله التوفيق.
ثم ذكر الحقّ جلّ جلاله حكم الطلاق قبل المسيس، فقال:
[سورة البقرة (2) : الآيات 236 الى 237]
لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)
قلت: (ما) مصدرية ظرفية، وأَوْ تَفْرِضُوا معطوف على تَمَسُّوهُنَّ أي: لا تبعة عليكم ولا إثم إن طلقتم النساء قبل البناء، مدة كونكم لم تمسوهن ولم تفرضوا لهن مهرا، وإِلَّا أَنْ يَعْفُونَ مبني لاتصاله بنون النسوة، ووزنه: يفعُلن كقوله تعالى: السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وقوله وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً، وحَقًّا مفعول مطلق.
اسم الکتاب : البحر المديد في تفسير القرآن المجيد المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 264